Tuesday, January 03, 2006

مقال الدكتور طارق النعماني


هوامش على دفتر الثقافة

مقال د. طارق النعمان
لا‮ ‬ينفصل مشكل توزيع الكتاب في‮ ‬العالم العربي،‮ ‬بحال من الأحوال
عن مجمل وسلسلة المشكلات والآفات التي‮ ‬تعاني‮ ‬وتئن منها الثقافة
العربية،‮ ‬وهي‮ ‬للأسف كثيرة جداً‮ ‬ويحتاج كل منها إلى عدد من الملفات
المطولة الخاصة به‮. ‬فهو لاينفصل عن ارتفاع سعر الكتاب وعدد
النسخ المطبوعة ولا عن لامبالاة القارئ،‮ ‬وغياب النقد والناقد،‮
‬وضعف السينما وركاكة صناعة الأفلام في‮ ‬العالم العربي،‮ ‬وقلة دور العرض السينمائي‮ ‬والمسرحي،‮ ‬أو‮ ‬غيابها أصلاً‮ ‬في‮ ‬بعض البلدان‮. ‬كما لاينفصل عن إهمال المتاحف والآثار وسرقتها،‮ ‬أو‮ ‬غياب قصور الثقافة أو عن حرق المثقفين بالجملة كما حدث في‮ ‬قصر ثقافة بني‮ ‬سويف في‮ ‬مصر،‮ ‬أو عن حرقهم بطرق أخري‮ ‬مختلفة ومتنوعة باستخدامهم كوردة في‮ ‬عروة الجاكتة أو كأبواق دعائية لتمرير ماتريد بعض الأنظمة أن تمرره‮. ‬كما لاينفصل عن مقررات التعليم المدرسي‮ ‬والجامعي‮ ‬ونوعية مايعلم ونوعية ومستوي‮ ‬المعلم ولا عن‮ ‬غياب المكتبات العامة في‮ ‬الأحياء أو البؤس الفاجع والمزري‮ ‬لمستوي‮ ‬المكتبات في‮ ‬الجامعات العربية،‮ ‬ولا عن حجب وتعطيل الأجيال الأكبر للأجيال الأصغر ولاعن جماعات المصالح من المثقفين أو مايمكن أن نطلق عليه البلطجة الثقافية والأكاديمية داخل العالم العربي،‮ ‬ولا عن تعالى المراكز الثقافية أو السياسية داخل العالم العربي‮ ‬على الأطراف،‮ ‬مع أن الكل واقع‮. ‬وهو أيضاً‮ ‬لاينفصل عن علاقة المثقف بالسلطة والسلطة بالمثقف،‮ ‬وازدراء المثقف واستعماله أو تشريده إذا ما أخلص لما منحته له الثقافة،‮ ‬كما لا‮ ‬ينفصل عن مهرجانات ومؤتمرات المنظرة والفشخرة السياسية باسم الثقافة،‮ ‬ولا عن مؤسسات الرقابة بكافة صورها،‮ ‬كما أنه لاينفصل عن عدم تربية وتنشئة الأسرة وكافة مؤسسات المجتمع الأخري‮ ‬لعادات القراءة لدى أبنائها أو توعيتهم لأهمية أن نتثقف‮ ‬ياناس ولفكر الفقروما‮ ‬ينجر عنه من فقر وإفقار للفكر،‮ ‬وهو أيضاً‮ ‬وقبل كل ذلك ومعه لاينفصل عن سوء توزيع الجهد والطاقة والوقت‮ ‬والثروة،‮ ‬مما‮ ‬يجعلنا نتساءل عن تداعيات‮ (( ‬سوء التوزيع‮ )) ‬عموماً‮ ‬ومايحويه في‮ ‬ثناياه من دلالات‮. ‬إنه بعبارة موجزة‮ ‬يعني‮ ‬قصر النظروالهدر وغياب الرؤية و الاستراتيجية والتخطيط،‮ ‬كما‮ ‬يعني‮ ‬كذلك أن طرفاً‮ ‬ما لا‮ ‬يكترث بالطرف الآخر والانكفاء على الذات وعدم الوعي‮ ‬بقيمة الوقت والتواصل‮. ‬وهو أيضاً‮ ‬يعني‮ ‬جبن المستثمرين بشكل عام،‮ ‬إلا من مت منهم للثقافة بسبب،كما‮ ‬يعني‮ ‬أيضاً‮ ‬نوعاً‮ ‬من أنواع الاغتيال للمثقف أو على أقل تقدير قصف قلمه وإحباطه‮. ‬هل‮ ‬يعقل أن كتابأ مثل أمين صالح وفريد رمضان وعلي‮ ‬عبدالله خليفة وعلي‮ ‬الشرقاوي،‮ ‬وحتى قاسم حداد رغم جهوده الفردية لكسر هذه الحواجزوغيرهم كثير‮- ‬غير معروفين جيداً‮ ‬في‮ ‬العالم العربي‮ ‬إلا في‮ ‬أوساط محدودة جداً‮ ‬من المثقفين؟‮!‬إن سوء توزيع الكتاب‮ ‬يعني‮ ‬سوء توزيع القيمة،‮ ‬ويعني‮ ‬اختصاروتقليص المشهد الثقافي‮ ‬العربي،‮ ‬يعني‮ ‬تاريخاً‮ ‬أدبياً‮ ‬وفكريأً‮ ‬زائفاً‮ ‬أو على أقل تقدير‮ ‬غير دقيق‮. ‬لقد أفضى‮ ‬سوء توزيع الكتاب في‮ ‬العالم العربي‮ ‬مع‮ ‬غياب القراءة إلى أن أصبح ظهر المثقف عارياً‮ ‬أو على الأقل للحائط،‮ ‬مما فرض عليه أن‮ ‬يبحث عن ظهر سياسي‮ ‬أو اقتصادي‮ ‬يُلحق نفسه به‮ . ‬صحيح أن ظهور الإنترنت ساعد في‮ ‬كسر حاجز الحجب الذي‮ ‬يفرضه سوء التوزيع والرقابة إلا أن هذا‮ ‬يحتاج إلى جهد ووفرة مالية لدى المثقف،‮ ‬يمكنانه من تخزين كل ماكتب ويكتب وعرضه وتسويقه على الإنترنت‮'' ‬وكأنك‮ ‬يابوزيد ماغزيت‮'' ‬ثم مانسبة من لديهم سبيل للإنترنت مقارنة بمن ليس لديهم سبيل للدخول إليه؟ لا‮ ‬يمكننا أن نجيب في‮ ‬ظل‮ ‬غياب الإحصاءات الدقيقة وتلك مشكلة أخرى،‮ ‬ناهينا عن أنه‮ ‬يفترض أن‮ ‬يكسب المثقف مما أنفق عليه من جهده ووقته.إن سوء توزيع الكتاب‮ ‬يعني‮ ‬غبناً‮ ‬متضاعفاً‮ ‬للكاتب،‮ ‬يعني‮ ‬ألايكسب مما كتب ويعني‮ ‬أن‮ ‬ينفق عليه ويعني‮ ‬أن‮ ‬ينقهر ويطق ويموت‮. ‬والمحصلة هي‮ ‬قتل الإبداع،‮ ‬وهذا هو المطلوب‮. ‬لأنه كما قال الخديوي‮ ‬سعيد‮ '' ‬الشعب الجاهل أسلس قيادا‮'' ‬وكل هذا لاينفصل عن ارتياب الساسة في‮ ‬المثقف و ارتياب رؤوس الأموال في‮ ‬المثقف وحصار المثقف بما‮ ‬يجعل خياراته تتراوح بين الرفض بكل تبعاته الأليمة أو التسليم والاحتراق أو اللعب على الأحبال كلاعب سيرك أحمد عبدالمعطي‮ ‬حجازي‮ ‬في‮ ‬مرثيته البديعة،‮'' ‬مرثية لاعب سيرك‮''
‬التى تبدو وكأنها مجاز لصورة من صور المثقف‮.
ملحوظة :
الصورة من اليمين :- د طارق النعمان : رئيس القسم الثقافي بجريدة الوطن ومنسق مركز الدراسات البحرنية مصري يعيش بالبحرين
باسم شرف : كاتب ومخرج مسرحي مصري
محمد صلاح العزب : قصاص وروائي مصري