هوامش على دفتر الثقافة
مقال د. طارق النعمان
لا ينفصل مشكل توزيع الكتاب في العالم العربي، بحال من الأحوال
عن مجمل وسلسلة المشكلات والآفات التي تعاني وتئن منها الثقافة
العربية، وهي للأسف كثيرة جداً ويحتاج كل منها إلى عدد من الملفات
المطولة الخاصة به. فهو لاينفصل عن ارتفاع سعر الكتاب وعدد
النسخ المطبوعة ولا عن لامبالاة القارئ، وغياب النقد والناقد،
وضعف السينما وركاكة صناعة الأفلام في العالم العربي، وقلة دور العرض السينمائي والمسرحي، أو غيابها أصلاً في بعض البلدان. كما لاينفصل عن إهمال المتاحف والآثار وسرقتها، أو غياب قصور الثقافة أو عن حرق المثقفين بالجملة كما حدث في قصر ثقافة بني سويف في مصر، أو عن حرقهم بطرق أخري مختلفة ومتنوعة باستخدامهم كوردة في عروة الجاكتة أو كأبواق دعائية لتمرير ماتريد بعض الأنظمة أن تمرره. كما لاينفصل عن مقررات التعليم المدرسي والجامعي ونوعية مايعلم ونوعية ومستوي المعلم ولا عن غياب المكتبات العامة في الأحياء أو البؤس الفاجع والمزري لمستوي المكتبات في الجامعات العربية، ولا عن حجب وتعطيل الأجيال الأكبر للأجيال الأصغر ولاعن جماعات المصالح من المثقفين أو مايمكن أن نطلق عليه البلطجة الثقافية والأكاديمية داخل العالم العربي، ولا عن تعالى المراكز الثقافية أو السياسية داخل العالم العربي على الأطراف، مع أن الكل واقع. وهو أيضاً لاينفصل عن علاقة المثقف بالسلطة والسلطة بالمثقف، وازدراء المثقف واستعماله أو تشريده إذا ما أخلص لما منحته له الثقافة، كما لا ينفصل عن مهرجانات ومؤتمرات المنظرة والفشخرة السياسية باسم الثقافة، ولا عن مؤسسات الرقابة بكافة صورها، كما أنه لاينفصل عن عدم تربية وتنشئة الأسرة وكافة مؤسسات المجتمع الأخري لعادات القراءة لدى أبنائها أو توعيتهم لأهمية أن نتثقف ياناس ولفكر الفقروما ينجر عنه من فقر وإفقار للفكر، وهو أيضاً وقبل كل ذلك ومعه لاينفصل عن سوء توزيع الجهد والطاقة والوقت والثروة، مما يجعلنا نتساءل عن تداعيات (( سوء التوزيع )) عموماً ومايحويه في ثناياه من دلالات. إنه بعبارة موجزة يعني قصر النظروالهدر وغياب الرؤية و الاستراتيجية والتخطيط، كما يعني كذلك أن طرفاً ما لا يكترث بالطرف الآخر والانكفاء على الذات وعدم الوعي بقيمة الوقت والتواصل. وهو أيضاً يعني جبن المستثمرين بشكل عام، إلا من مت منهم للثقافة بسبب،كما يعني أيضاً نوعاً من أنواع الاغتيال للمثقف أو على أقل تقدير قصف قلمه وإحباطه. هل يعقل أن كتابأ مثل أمين صالح وفريد رمضان وعلي عبدالله خليفة وعلي الشرقاوي، وحتى قاسم حداد رغم جهوده الفردية لكسر هذه الحواجزوغيرهم كثير- غير معروفين جيداً في العالم العربي إلا في أوساط محدودة جداً من المثقفين؟!إن سوء توزيع الكتاب يعني سوء توزيع القيمة، ويعني اختصاروتقليص المشهد الثقافي العربي، يعني تاريخاً أدبياً وفكريأً زائفاً أو على أقل تقدير غير دقيق. لقد أفضى سوء توزيع الكتاب في العالم العربي مع غياب القراءة إلى أن أصبح ظهر المثقف عارياً أو على الأقل للحائط، مما فرض عليه أن يبحث عن ظهر سياسي أو اقتصادي يُلحق نفسه به . صحيح أن ظهور الإنترنت ساعد في كسر حاجز الحجب الذي يفرضه سوء التوزيع والرقابة إلا أن هذا يحتاج إلى جهد ووفرة مالية لدى المثقف، يمكنانه من تخزين كل ماكتب ويكتب وعرضه وتسويقه على الإنترنت'' وكأنك يابوزيد ماغزيت'' ثم مانسبة من لديهم سبيل للإنترنت مقارنة بمن ليس لديهم سبيل للدخول إليه؟ لا يمكننا أن نجيب في ظل غياب الإحصاءات الدقيقة وتلك مشكلة أخرى، ناهينا عن أنه يفترض أن يكسب المثقف مما أنفق عليه من جهده ووقته.إن سوء توزيع الكتاب يعني غبناً متضاعفاً للكاتب، يعني ألايكسب مما كتب ويعني أن ينفق عليه ويعني أن ينقهر ويطق ويموت. والمحصلة هي قتل الإبداع، وهذا هو المطلوب. لأنه كما قال الخديوي سعيد '' الشعب الجاهل أسلس قيادا'' وكل هذا لاينفصل عن ارتياب الساسة في المثقف و ارتياب رؤوس الأموال في المثقف وحصار المثقف بما يجعل خياراته تتراوح بين الرفض بكل تبعاته الأليمة أو التسليم والاحتراق أو اللعب على الأحبال كلاعب سيرك أحمد عبدالمعطي حجازي في مرثيته البديعة،'' مرثية لاعب سيرك''
التى تبدو وكأنها مجاز لصورة من صور المثقف.
ملحوظة :
الصورة من اليمين :- د طارق النعمان : رئيس القسم الثقافي بجريدة الوطن ومنسق مركز الدراسات البحرنية مصري يعيش بالبحرين
باسم شرف : كاتب ومخرج مسرحي مصري
محمد صلاح العزب : قصاص وروائي مصري