Friday, January 01, 2010

أفضل ما يُمكِن أَنْ يحدُثَ لي .. لمحمود خيرالله



أعترفُ اليومَ أنني سعيد، رسمتُ سحابةً لأمّي ، لكنها لم تصل،زرعت شجراً في قلبي، لم يُثمِر بَعَد،اليوم، فعلتُ ما يحلو لي،فبرغم أنني أعيشُ بلا عمل ـ وربما بسبِبِ ذلك ـ قتَلتُ جيشاً من النّملِ بماء البرّاد المغلي ، فجأةً، بدأ النملُ هجومه ، رفعتُ البرّاد لأعلى ثم أملته قليلاً، ليخرجَ خيطُ من ماء وبخار وقليل جداً من غضبي..

ساعتها تكوّرتْ كل نملةٍ على نفسها، قبل أن تستسلمَ تماماً وتموت، وهكذا اعتبرتُ الموتَ أفضل ما يُمكن أن يحدثَ لي..
ذكّرني النمل المتكوّر على نفسه ببشرٍ كثيرين تكوَّروا هم أيضاً قبل أن يموتوا، و بأن أغلبَ من عرفتهم ماتوا بعدما تتقوّست ظهورهم، وقد كان من المؤسف حقاً أن ماءً يغلي لم ينزل فوقهم ، بل صخورتتدحرج ،كل عدة أعوام ، فيموتون فجأةً مقوّسين، رأيتُ ناساً يعلّقون صخورا فوق شفاههم، كأنَّها سلاسل من كلام.
عن نفسي ، وقفت بانتظار مصائبي ،دون أن أعرف لماذا أنتظرها دائما في السماء ، معلّقة مثل غيمة في السماء، رأيتُ صديقاً يسقط بجواري ويسيل منه الدمُ، لأن صخرةً تركَتْ مقعدَها فجأةً، وقررت ـ لسببٍ ما ـ أن ترسلَ رسالة إلىِّ، وصرتُ كلما رأيته أقرأ الرسالة التي حملها على وجههِ للأبد..
أعترف اليومَ أنني سعيد، لأننّي أحكي الحكايات البائسة، وأنا صغير ، كنتُ أظن أن العالم خُلق للأطفالِ ـ أصلاً ـ لكنهم سرعان ما حطمّوا كل شئ حينما كبروا، وحينما كبروا عادوا من حيث أتوا مُقوّسين تماماً وخائفين.
كم من نساء و شيوخ كوّرتهم سياراتٌ مُسرِعة وكّفنتْهم،عرفتُ أناساً انكسرتْ ظهورهم بسبب نظرة، وحين أرادوا أن يقيموها تمزَّقتْ منهم، نهرني أبي كثيراً لأن ظهري يتقوّس دائما من دون سبب، أبي مات منذ عشرة أعوام، تاركاً وخذةً في قلبي، كتلك التي أشعرُ بها الآن،وأنا أقتلُ نملاً لم يفعل لي شيئا، وأنا أقرأ هذه الصحيفة، عن صغار احترقت ملابسُهم الداخلية في شرفات القطار، كانوا كثيرين جدا وذاهبين إلى الموت في قطار العاشرة، ملابسُهم الداخلية احترقتْ قبل أن يسيل لحمُ الأصابع، لا شك أنهم لم يستعدّوا للموت حتّى ولو بانحناءة ظَهْر، لا أعرف مَنْ الذي وضع جثّةَ طفلٍ مقوّس في شرفة القطار، هكذا في رأسي، كل هذه السنوات، وأنا أُسْقِط ماءً يغلي فوق جيوشِ النَّمل، ربّما لأنّ جثةً في شرفة القطار كانت صغيرةً كنملة، وربّما لأنّهما احترَقا معاً وتقوَّسا نتيجة ارتفاعٍ هائلٍ في درجة الحرارة...
حين كنتُ صغيرًا عشتُ في بيتٍ يهتزّ مثل مؤخّرات العجائز، كلما مرّ أمامه القطار، مع كلّ رجفةٍ كانت قطعةُ من البيت تترك مكانهاعلى الجدران لتسقطَ فوق أحلامِنا ،كأنَّها تُدرّبنا على الألمِ.
هَزَمْتُ جيوشَ النملِ لكن في الجولة الأولى،عادَ بعدها من حيث لا أحتسب ، سَادَ وانْتشر، وَمَلأ المقاعِد والسجاجيد، و صارَ النملُ معركتي الأخيرة.

.....................................

للشاعر محمود خيرالله

من ديوان (كل ما صنع الحداد)

دار صفصافة

موجود دلوقتي بالمكتبات

من الدواوين اللي قرتها وحبتها جدا